كيفية صنع واتخاذ قرار صائب:
مدخل (مقدمة) إلى منهجية صناعة القرار الصحيح.
خلال فعاليات حياتنا اليومية، تتوالى اللحظات التي نجد أنفسنا فيها على مفترق طرق، حيث يتعين علينا اتخاذ قرارات مصيرية قد تحدد مسار مستقبلنا، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني.
فمن اختيار ما نرتديه صباحًا إلى تحديد استراتيجية عمل كبرى، تظل عملية “صنع القرار” جوهرًا محوريًا في نسج وتحديد مصائرنا. لكن، هل تساءلنا يومًا عن الكيفية التي تُصنع (تُتخذ) بها هذه القرارات؟ وما هي الأسس التي تمكننا من الوصول إلى خيارات حكيمة ومستنيرة؟
تتأرجح صناعة القرار بين كونها فنًا (مهارة أو ملكة قد تنمو وتتطور مع الزمن) وعلمًا في آن واحد. إنها ليست مجرد اختيار عشوائي بين بدائل متعددة، بل هي عملية منهجية تتطلب إدراكاً وفهمًا عميقًا للعوامل المؤثرة، وقدرة على التحليل والتقييم، ونظرة ثاقبة للمستقبل.
كثيرًا ما نُشبه هذه العملية بقيادة سفينة في بحر فلكي نصل إلى بر الأمان، نحتاج إلى بوصلة دقيقة، وخرائط واضحة، وربان ماهر يمتلك الخبرة الكافية لتجاوز التحديات خصوصاً إذا ما هاج هذا البحر واحتاج هذا الربان إلى الحنكة والحكمة لاتخاذ القرار المُنجي.
في هذه السلسلة من المقالات، سنبحر معًا في رحلة شيقة لاستكشاف عالم صناعة القرار، بدءًا من مفاهيمه الأساسية وصولًا إلى أدواته واستراتيجياته المتقدمة. لا تهدف هذه السلسلة إلى تقديم قرارات جاهزة مناسبة لكل موقف لأنه ببساطة لا توجد مثل هذه القرارات فكل موقف في حياة شخص ما له قراره المنفرد والمناسب للموقف وللشخص عينه، ولذلك تهدف هذه السلسلة إلى بناء إطار معرفي متكامل يمكّن القارئ من تطوير قدراته الذاتية في اتخاذ القرارات، مستندًا إلى أسس علمية وممارسات ناجحة.
لماذا تكتسب صناعة القرار هذه الأهمية؟
تتجلى أهمية صناعة القرار في تأثيرها المباشر على النتائج التي يدعمها هذا القرار.
فالقرارات الجيدة غالبًا ما تقود إلى النجاح والتقدم، بينما قد تؤدي القرارات السيئة إلى عواقب وخيمة.
في عالم الأعمال المعاصر، حيث تتسارع وتيرة التغيرات وتزداد حدة المنافسة، يصبح اتخاذ القرارات الصائبة ليس مجرد ميزة، بل ضرورة قصوى لبقاء المؤسسات وازدهارها.
رواد الأعمال، على وجه الخصوص، يدركون أن كل قرار يتخذونه، بدءًا من تحديد نموذج العمل وصولًا إلى كل مناحي الإدارات العاملة حيث لا توجد في هذا العالم إدارة ليست مؤثرة أو عديمة الأهمية، يمكن أن يشكل فارقًا حاسمًا في مسيرة المشروعات ونجاحها ومن ثم قرارات التقدم التطور والتوسع و مواصلة واستمرارية هذا النجاح.
لكن الأمر لا يقتصر على عالم الأعمال فحسب. ففي حياتنا الشخصية، تساهم القرارات الحكيمة في بناء علاقات قوية، وتحقيق الأهداف الفردية، وتكوين حياة مرضية. إن القدرة على اتخاذ قرارات واعية هي سمة مميزة للأفراد الناجحين في مختلف مجالات الحياة.
سبر أغوار عالم صناعة القرار
في المقالات اللاحقة من هذه السلسلة، سنتعمق أكثر في أعماق عملية صنع القرار، وسنستكشف المكونات الأساسية التي تشكل هذه العملية، بدءًا من تحديد المشكلة، ومرورًا بجمع المعلومات وتحليلها، وتوليد البدائل، وتقييم الخيارات، وصولًا إلى تنفيذ القرار ومتابعته. سنناقش أيضًا الأدوات والنماذج المختلفة التي يستخدمها الخبراء في هذا المجال، مثل تحليل سوات (SWOT Analysis)، وشجرة القرار (Decision Tree)، ونظرية الألعاب (Game Theory)، وغيرها الكثير.
كما سنتطرق إلى الجوانب الإنسانية والنفسية التي تؤثر في عملية صنع القرار، مثل التحيزات المعرفية (Cognitive Biases)، ودور العواطف، وأهمية الحدس. فصناعة القرار ليست مجرد عملية عقلانية بحتة، بل تتأثر أيضًا بجوانبنا الإنسانية التي يجب أن نعيها ونديرها بفعالية.
نأمل أن تكون هذه السلسلة مرجعًا قيمًا لطلاب ماجستير إدارة الأعمال، والباحثين، وكل من يسعى إلى تعميق فهمه في هذا المجال الحيوي. إنها دعوة للجميع للانطلاق في رحلة معرفية تهدف إلى تسليحنا بالأدوات والمهارات اللازمة لاتخاذ قرارات أكثر ذكاءً، ليس فقط في حياتنا المهنية، بل في كل جوانب وجودنا.
